*عظة البابا فرنسيس في الإمارات*
*قال فيها* :
طوبى: هي الكلمة التي يبدأ بها يسوع عظته في إنجيل متى. وهي اللازمة التي يكرّرها اليوم، وكأنه يريد ان يثبِّت في قلبنا، قبل كلِّ شيء، رسالة أساسيّة: إذا كنتَ مع يسوع، إن كنتَ كالتلاميذ تحبّ أن تصغي إلى كلمته، إن كنت تسعى لعيشها يوميًّا فأنت قد نلت الطوبى. لن تنال الطوبى في المستقبل وإنما قد نلتها منذ الآن: هذه هي الحقيقة الأولى للحياة المسيحية. فهي ليست لائحة وصفات خارجية ينبغي القيام بها أو مجموعة عقائد علينا أن نعرفها. ليس الأمر هكذا؛ بل هي أن نعرف أننا، بيسوع، أبناء محبوبون من الآب. إنها عيش فرح هذه الطوبى، وفهم الحياة كقصّة حبّ، قصّة حبّ الله الأمين الذي لا يتركنا أبدًا ويريد أن يقيم معنا شركة على الدوام. هذا هو سبب فرحنا، فرح لا يمكن لأيّ شخص في العالم أو لأيّ ظرف أن ينتزعه منّا. إنه فرح يعطي سلامًا حتى في الألم، فرح يجعلنا منذ الآن نتذوّق تلك السعادة التي تنتظرنا للأبد. أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في فرح لقائكم، هذه هي الكلمة التي جئت لأقولها لكم: طوبى لكم!
لقد وجّه يسوع التطويبات لتلاميذه، لكن ما يدهشنا إنما هو سببُ كلٍّ مِن هذه التطويبات. فيها نرى انقلابًا جذريًّا للفكر العام، الذي وبحسبه ينال الطوبى الأغنياء والمقتدرون والناجحون وتهتف لهم الجموع. أما بالنسبة ليسوع فطوبى للفقراء والودعاء والذين يحافظون على برّهم حتى لو تركوا انطباعًا سيئًا، وطوبى للمُضطهدين. مَن هو على حقّ إذًا، يسوع أم العالم؟ لكي نفهم علينا أن ننظر إلى الطريقة التي عاش فيها يسوع: عاش فقيرًا بالأشياء وغنيًّا بالمحبّة، لقد شفى العديد من الأشخاص ولكنّه لم ينقذ حياته. جاء ليَخدُم ولا ليُخدَم؛ علّمنا أن العظيم ليس الذي يملك وإنما الذي يُعطي. عادل ووديع، لم يقاوم وسمح بأن يُحاكم ظُلمًا. بهذه الطريقة، حمل يسوع إلى العالم محبّة الله. هكذا فقط تغلّب على الموت والخطيئة والخوف وروح العالم: بقوّة المحبّة الإلهيّة فقط. لنطلب اليوم، هنا معًا، نعمة إعادة اكتشاف جمال اتّباع يسوع والتشبُّه به، وعدم البحث عن شيء آخر غيره وغير محبّته المتواضعة. لأنه عبر الشركة معه وعبر محبّة الآخرين نجد معنى الحياة على الأرض. هل تؤمنون بهذا؟
لقد جئت أيضًا كي أشكركم على طريقة عيشكم للإنجيل الذي سمعناه. يُقال إنه بين الإنجيل المكتوب والإنجيل المعاش نجد الفرق عينه بين الموسيقى المكتوبة والموسيقى المعزوفة. أنتم هنا تعرفون لحن الإنجيل وتعيشون حماس نغمته. أنتم جوقة تتضمّن تنوّع جنسيّات ولغات وطقوس؛ تنوّع يحبّه الروح القدس ويريد على الدوام أن ينسّقه ليصنع منه سمفونية. وسمفونية الإيمان الفَرِحَة هذه والمتعدّدة الأصوات هي شهادة تعطونها للجميع، وتبني الكنيسة. لقد تأثرتُ بما قاله لي المطران هيندر ذات مرّة، أي أنه لا يشعر فقط أنّه راعيكم وإنما أنكم بمثالكم غالبًا ما تكونون رعاةً له. شكرا على ذلك.
إن العيش كمن استحقوا الطوبى واتّباع درب يسوع لا يعني أن نكون مبتهجين على الدوام. فالذي يمرّ بضيقة أو يعاني بسبب الظلم أو يجتهد ليكون صانع سلام يعرف ما معنى الألم. من المؤكّد أنه ليس سهلاً بالنسبة لكم أن تعيشوا بعيدين عن البيت وأن تشعروا ربما، بالإضافة إلى افتقاركم للعواطف الغالية، بمستقبل غير أكيد. لكنّ الربّ أمين ولا يترك خاصّته أبدًا. قد يساعدنا حدث من حياة القدّيس أنطونيوس الكبير مؤسّس الحياة الرهبانية في الصحراء. كان قد ترك كلّ شيء من أجل الربّ وذهب إلى الصحراء، وهناك ولزمن طويل غاص في جهادٍ روحيّ متواصل، إذ كانت تعتريه الشكوك والظلمة وكان يتعرّض لتجربة السقوط في الحنين والتحسّر على الحياة الماضية. بعدها عزاه الربّ، بعد عذاب كبير فسأله القدّيس أنطونيوس: "أين كنتَ، لماذا لم تأتِ لتحريري من الآلام. أين كنت؟". ففهم عندها بوضوح جواب يسوع: "لقد كنتُ هنا يا أنطونيوس" (القديس أثناسيوس، حياة القديس أنطونيوس، 10). إن الربّ قريب. قد يحصل أن نفكّر أننا وحدنا إزاء تجربة ما أو فترة صعبة حتى بعد زمن طويل قضيناه مع الربّ. لكن في تلك اللحظات، حتى ولو لم يتدخّل فورًا، هو يسير إلى جانبنا، وإن تابعنا المضيّ قدمًا فسيفتح دربًا جديدة. لأنّ الربّ اختصاصيٌّ في القيام بأمور جديدة ويعرف كيف يجعل في البرية طريقًا (را. أش 43، 19).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أريد أن أقول لكم أيضًا إن عيش التطويبات لا يتطلّب أعمالًا باهرة. لننظر إلى يسوع: لم يترك شيئًا مكتوبًا ولم يبنِ شيئًا مهيبًا. وعندما قال لنا كيف ينبغي أن نعيش، لم يطلب منا أن نقوم بأعمال كبيرة أو بأفعال فائقة الطبيعة. لقد طلب منا أن نحقق تحفة فنيّة واحدة، في متسع الجميع، وهي حياتنا. فالتطويبات إذًا هي خريطة حياة: لا تتطلّب أعمالاً خارقة وإنما أن نتشبّه بيسوع في الحياة اليوميّة. هي تدعو للمحافظة على نقاوة القلب، وللعيش بوداعة وعدالة بالرغم من كلِّ شيء، ولأن نكون رحماء مع الجميع ونعيش الضيقات متّحدين بالله. إنها قداسة الحياة اليوميّة التي لا تحتاج لأعاجيب ولعلامات خارقة. فالتطويبات ليست لبشر خارقين وإنما لمن يواجه تحديات وتجارب كلِّ يوم. والذي يعيشها وفقًا ليسوع يجعل العالم أنقى. إنها كالشجرة التي، حتى في أرض قاحلة، تمتص الهواء الملوّث وتعطي الاوكسجين. أتمنّى لكم أن تكونوا هكذا، متجذّرين جيّدًا في المسيح، في يسوع ومستعدّين لفعل الخير لكلِّ من هم بجواركم. لتكن جماعاتكم واحات سلام.
في الختام، أريد أن أتوقّف بشكل وجيز عند تطويبتين. الأولى "طوبى للودعاء" (متى 5، 5). لا يستحقّ الطوبى من يهاجم أو يتسلَّط، وإنما من يحافظ على تصرّف يسوع الذي خلّصنا: وديع أيضًا إزاء الذين يتّهمونه. يطيب لي أن أذكر القدّيس فرنسيس عندما أعطى الإخوةَ التعليماتِ حول كيفيّة الذهاب إلى المسلمين وغير المسيحيّين إذ كتب: "عليهم أن يبتعدوا عن الشجار والخلافات، ويخضعوا لكلِّ خليقةٍ بشريّةٍ محبّةً بالله ويعترفوا بأنّهم مسيحيّون". لا شجار ولا خلاف، وهذا الأمر يصح أيضا بالنسبة للكهنة، لا شجار ولاخلاف: في ذلك الزمن فيما كانوا ينطلقون لابسين أدرعة ثقيلة، ذكّر القدّيس فرنسيس أنَّ المسيحي ينطلق مسلَّحًا فقط بإيمانه المتواضع ومحبّته الملموسة. إن الوداعة مهمّة: إن عشنا في العالم بحسب أسلوب الله فسنصبح قنوات لحضوره، وإلّا فلن نثمر.
التطويب الثاني: "طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام". إنَّ المسيحي يعزّز السلام، بدءًا من الجماعة التي يعيش فيها. في سفر الرؤيا، ومن بين الجماعات التي يتوجّه إليها يسوع، نجد جماعة فيلادلفيا، التي أعتقد أنها تشبهكم. إنها كنيسة لا يوبِّخها الربّ على شيء بعكس الكنائس الأخرى. فهي في الواقع قد حفظت كلمة يسوع بدون أن تُنكر اسمه، وثابرت أي مضت قُدمًا حتى في الصعوبات. وهناك جانب مهمّ: الاسم فيلادلفيا يعني المحبّة بين الإخوة. المحبّة الأخويّة. إن الكنيسة التي تثابر على كلمة يسوع وعلى المحبة الأخوية هي مقبولة من الربّ وتثمر. أطلب لكم نعمة المحافظة على السلام والوحدة والاعتناء ببعضكم البعض عبر تلك الأخوّة الجميلة التي لا يوجد فيها مسيحيون من فئة أولى وآخرون من فئة ثانية.
وليمنحكم يسوع، هو الذي يوجّه إليكم التطويبات، نعمة المضي قدمًا على الدوام بدون أن تفقدوا العزيمة، فتنموا في المحبة "لبَعضِكم الِبَعْضٍ ولِجَميعِ النَّاسِ" (1 تس 3، 12).
قبل أن أختتم هذا الاحتفال، الذي سرّني للغاية، أودّ أن أوجّه تحيّاتي القلبيّة لكم جميعًا أنتم الذين شاركتم به: المؤمنين الكلدان، والأقباط، والروم-الكاثوليك، والروم-الملكيّين، واللاتين، والموارنة، والسريان-الكاثوليك، والسريان-المالابار، والسريان-المالانكار.
أشكر بحرارة المطران هيندر على التحضير لهذه الزيارة، وعلى جميع أعماله الرعوية.
"شكرًا" جزيلًا للبطاركة، ولرؤساء الأساقفة، وللأساقفة الآخرين الموجودين، وللكهنة، وللأشخاص المكرّسين، وللعديد من العلمانيّين الملتزمين بسخاءٍ وبروح الخدمة، في الجماعات وتجاه الفقراء.
لتحفظكم أمّنا مريم الكليّة القداسة في حبّ الكنيسة وفي الشهادة الفرحة للإنجيل. من فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. شكرًا!
Pope Francis' Homily in the UAE
“Blessed” – This is the word with which Jesus begins his preaching in Matthew's Gospel and it is the refrain he repeats today, as if to fix in our hearts, more than anything, an essential message: If you are with Jesus, if you love to listen to his word as the disciples of that time did, if you try to live out this word every day, then you are blessed
Not you will be blessed, but you are blessed; this is the first truth we know about the Christian life. It is not simply a list of external prescriptions to fulfil or a set of teachings to know. The Christian life, first and foremost, is not this; rather, it is the knowledge that in Jesus we are the Father's beloved children
The Christian life means living out of the joy of this blessedness, wanting to live life as a love story, the story of God's faithful love, He who never abandons us and wishes to be in communion with us always
This is the reason for our joy, a joy that no one in the world and no circumstance in our lives can take from us. It is a joy that gives peace also in the midst of pain, a joy that already makes us participate in that eternal happiness which awaits us
Dear brothers and sisters, in the joy of meeting you, this is the word I have come to say to you: blessed!
Even as Jesus calls his own disciples blessed, we are yet struck by the reasons for the individual Beatitudes. We see in them an overturning of the popular thinking, according to which it is the rich and the powerful who are blessed, those who are successful and acclaimed by the crowds. For Jesus, on the other hand, blessed are the poor, the meek, those who remain just even at the cost of appearing in a bad light, and those who are persecuted
Who is correct here: Jesus or the world? To understand this let us look at how Jesus lived: poor in respect to things, but wealthy in love; He healed so many lives, but did not spare his own. He came to serve and not to be served; he taught us that greatness is not found in having but rather in giving. Just and meek, he did not offer resistance, but allowed himself to be condemned unjustly. In this way Jesus brought God's love into the world. Only in this way did he defeat death, sin, fear and even worldliness: Only by the power of divine love. Let us together ask here today for the grace of rediscovering the attraction of following Jesus, of imitating him, of not seeking anyone else but him and his humble love. For here is the meaning of our life: in communion with him and inner love for others. Do you believe in this?
I have also come to say thank you for the way in which you live the Gospel we heard. People say that the difference between the written Gospel and the lived Gospel is the same difference between written music and performed music
You who are here know the Gospel's tune and you follow its rhythm with enthusiasm. You are a choir composed of numerous nations, languages and rites; a diversity that the Holy Spirit loves and wants to harmonise ever more, in order to make a symphony. This joyful polyphony of faith is a witness that you give everyone and that builds up the Church
It struck me what Bishop Hinder once said: that he not only feels himself to be your shepherd but that you, by your example, are often shepherds to him
To live the life of the blessed and following the way of Jesus does not, however, mean always being cheerful. Someone who is afflicted, who suffers injustice, who does everything he can to be a peacemaker, knows what it means to suffer
It is most certainly not easy for you to live far from home, missing the affection of your loved ones, and perhaps also feeling uncertainty about the future. But the Lord is faithful and does not abandon his people
A story from the lives of Saint Anthony, the Abbot, the great founder of monasticism in the desert, may be helpful to us. He left everything for the Lord and found himself in the desert. There, for a time, he was immersed in a bitter spiritual struggle that gave him no peace; he was assaulted by doubt and darkness and even by temptation to give in to nostalgia and regrets about his earlier life
But then, after all this torment the Lord consoled him and Saint Anthony asked him: "Where were you? Why did you not appear before to free me from my suffering?" But then he clearly heard Jesus' answer: "I was here, Anthony" (Saint Athanasius, Vita Antonii, 10). The Lord is close. It can happen that, when faced with fresh sorrow or a difficult period, we think we are alone, even after all the time we have spent with the Lord. But, in those moments, where he might not intervene immediately, he walks at our side
And if we continue to go forward, he will open up a new way for us; for the Lord specializes in doing new things; he can even open paths in the desert (cf. Is 43:19)
Dear brothers and sisters, I want to tell you that living out the Beatitudes does not require dramatic gestures. Look at Jesus: he left nothing written, built nothing imposing. And when he told us how to live, he did not ask us to build great works or draw attention to ourselves with extraordinary gestures. He asked us to produce just one work of art, possible for everyone: our own life. The Beatitudes are thus a roadmap for our life: they do not require superhuman actions, but rather the imitation of Jesus in our everyday life. They invite us to keep our hearts pure, to practice meekness and justice despite everything, to be merciful to all, to live affliction in union with God. This is the holiness of daily life, one that has no need of miracles or of extraordinary signs. The Beatitudes are not for supermen, but for those who face up to the challenges and trials of each day. Those who live out the Beatitudes according to Jesus are able to cleanse the world. They are like a tree that even in the wasteland absorbs polluted air each day and gives back oxygen. It is my hope that you will be like this, rooted in Jesus and ready to do good to those around you. May your communities be oases of peace
Finally, I would like to consider for a moment two of the Beatitudes
First: "Blessed are the meek" (Mathew 5:5).
Those who attack or overpower others are not blessed, but rather those that uphold Jesus' way of acting, he who saved us, and who was meek even towards his accusers. I like to quote Saint Francis, when he gave his brothers instructions about approaching the Saracens and non-Christians. He wrote: "Let them not get into arguments or disagreements, but be subject to every human creature out of love for God, and let them profess that they are Christians" (Regula Non Bullata, XVI). Neither arguments nor disagreements: at that time, as many people were setting out, heavily armed, Saint Francis pointed that Christians set out armed only with their humble faith and concrete love. Meekness is important: if we live in the world according to the ways of God, we will become channels of his presence; otherwise, we will not bear fruit
Second: "Blessed are the peacemakers" (Mathew 5:9)
The Christian promotes peace, starting with the community where he or she lives. In the Book of Revelation, among the communities that Jesus himself addresses, there is one, namely Philadelphia, that I think bears a likeness to you. It is a Church which, unlike almost all the others, the Lord does not reproach for anything. Indeed, that Church kept Jesus' word without renouncing his name and persevered, went forward, even in the midst of difficulties. There is also a significant detail: the name Philadelphia means brotherly love. Fraternal love. Thus a Church which perseveres in Jesus' word and fraternal love is pleasing to the Lord and bears fruit. I ask for you the grace to preserve peace, unity, to take care of each other, with that beautiful fraternity in which there are no first or second class Christians
May Jesus, who calls you blessed, give you the grace to go forward without becoming discouraged, abounding in love "to one another and to all" (I Thessalonians 3:12)